على مر التاريخ، اضطلعت الجماعات الحكومية وغير الحكومية في جميع أنحاء بلدان الجنوب بمسؤولية مساعدة الأشخاص المتضررين من النزاعات والنزوح.
في بعض الأحيان، تبرر الدول استجابتها لمسألة النزوح من خلال الإشارة إليها باسم “التعاون فيما بين بلدان الجنوب”، أي العمليات التي من خلالها يتعاون بلدان الجنوب فيها بغية تكملة قدرات وموارد بعضها البعض، وذلك استنادًا إلى مبادئ، منها “التضامن”، و”المعاملة بالمثل”، و”الاحترام المتبادل”. وغالبًا ما يُنظَر إلى التعاون فيما بين بلدان الجنوب بوصفه وسيلة لتمكين الأطراف الفاعلة من بلدان الجنوب على كسر الحواجز والقضاء على ضروب التفاوتات الهيكلية التي خلَّفتها القوى الاستعمارية، هذا بالإضافة إلى تصويرها، أحيانًا، على أنها بديل لتلك الاستجابات التي تقدمها دول الشمال القوية والمنظمات التي تقودها دول الشمال.
نظرًا لأن معظم اللاجئين حول العالم يستقرون في بلدان الجنوب، وخاصة في الدول المجاورة لبلدانهم الأصلية، فقد استضافت دول الجنوب، مثل لبنان والأردن وتركيا والعراق، ملايين اللاجئين على مدار سنوات عديدة، وغالبًا ما تمتد إقامتهم لعقود.
بيد أن دول الجنوب هذه ليست مجرد “دول مضيفة” للاجئين وحسب، بل تتمتع بتاريخ عريق يزخر بدعمها لهم بطرق أخرى كثيرة.
على سبيل المثال، تتمتع بلدان الخليج بتاريخ طويل من تقديم الإعانات المالية ومساعدات الإغاثة المادية للاجئين والمتضررين من موجات تسونامي والزلازل حول العالم، بما في ذلك ما تم تقديمه من عمل إنساني نابع من القيم الدينية وتقوده حكومات تلك البلدان.
في المقابل، قدمت بلدان مثل كوبا وفنزويلا والبرازيل، تمويلًا ومساعدات طبية للاجئين والمتضررين من الكوارث، وذلك من خلال إرسال فرق طبية أممية إلى مخيمات اللاجئين في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء، وكذلك للنازحين داخليًا في

للتعليم قيمة كبيرة في أعين اللاجئين وسياقاتهم، كما هو موضح في هذه اللوحة الجدارية الموجودة في مخيم البداوي، شمال لبنان.
حقوق النشر محفوظة لإيلينا فيديان-قاسمية، 2017.
لقد ثبت أن “العمل الإنساني القائم على التضامن”، والذي ظهر في استجابات بلدان الجنوب للنزوح من سوريا منذ عام 2011، أنه ينبع جزئيًا من إرادة غرضها تعزيز أواصر التعاون والتضامن وتقويتها فيما بين الشعوب والدول الإسلامية، بما في ذلك الدول التي تنتمي إلى منظمة التعاون الإسلامي.

بائع قهوة سوري يتوجه إلى مخيم البداوي حاملًا لافتة (أعلى يسار المشهد) توضح موقع مركز بيت أطفال الصمود المجتمعي (والذي تأسس عام 1991 بدعم من المركز الماليزي للبحوث الاجتماعية والحكومة الماليزية). حقوق النشر محفوظة لإيلينا فيديان-قاسمية. ديسمبر/كانون الأول 2016.

مع ذلك، لا ينحصر العمل الإنساني القائم على مبدأ التضامن في صور التضامن النابعة من القيم الدينية. على سبيل المثال، أوضحت الرئيسة البرازيلية السابقة ديلما روسيف أن استجابة البرازيل للزلزال الذي ضرب هايتي عام 2010 كانت بمثابة صورة من صور الجهود التعاونية لدعم “البلدان الشقيقة” (روسيف، 2011).
في الحقيقة، لا يقتصر الأمر على الدول في مسألة “التضامن” مع اللاجئين، إذ أظهرت المجتمعات المحلية وأعضاء المجتمع المدني، في أحوال كثيرة، أنها تقدم الحماية والمساعدة للاجئين بدافع التضامن، سواء كان ذلك بدافع التدين أو الالتزام بتعزيز العدالة الاجتماعية. وتشمل أوجه المساعدة هذه الدعم الذي قدمه المجتمع المدني التونسي للاجئين النازحين جرّاء النزاع الذي اندلع في ليبيا عام 2011، وكذلك استجابات المجتمع اللبناني للاجئين السوريين (بما في ذلك “جدار المحبة” الموضح في الصورة أدناه)، فضلًا عن المساعدة المُقدَّمة من اللاجئين الفلسطينيين الأوائل الموجودين بلبنان إلى النازحين “الجُدد” من سوريا.


من خلال هذه الأمثلة، يُمكن إثبات أن العمل الإنساني “القائم على مبدأ التضامن” يُنفَّذ على مستويات عدة، بدءًا من المبادرات التي تقودها الدول إلى المجتمع المدني والجهود التي يبذلها اللاجئون لأقرانهم ودعمهم لبعضهم البعض.
يهدف مشروع استجابات بلدان الجنوب للنزوح إلى دراسة أشكال الاستجابة هذه وغيرها تلك التي تقدمها الدول والمجتمع المدني، استنادًا إلى مبدأي “التضامن” و”المعاملة بالمثل”. كما يسعى هذا المشروع، على وجه الخصوص، إلى دراسة كيف يتصور اللاجئون السوريون أنفسهم أشكال الاستجابة هذه: هل يرونها استجابات “إنسانية” أم ضرورات تقضي بها السياسة أو الدين؟ هل يعتبرونها “بدائل” لبرامج المساعدة التي تمولها وتقدمها بلدان الشمال ومنظمات المجتمع المدني؟
أعمال يُنصَح بقراءتها حول استجابات بلدان الجنوب للنزوح
تُقدِّم القراءات التالية معلومات أساسية حول استجابات بلدان الجنوب للأزمات، والتي يندلع معظمها جرَّاء النزوح نتيجة النزاع والهجرة القسرية، وذلك أساسًا من خلال تحليل نماذج دول الجنوب والنماذج الإقليمية الخاصة بالمساعدة وتقديم الرعاية في سياقات بلدان الجنوب. تبحث هذه الدراسات، بُطرق شتى، في الإغاثة المقدمة مما يُطلق عليهم “المانحين غير التقليديين”، هذا إلى جانب طبيعة أوجه التفاعل فيما بين مقدمي الخدمات من الأطراف الفاعلة المحلية/اللاجئين الأوائل واللاجئين/النازحين.
- بركات، س. وزايك، س. (2010). “مساعدات دول الخليج لبيئات المتضررة من النزاعات”، برنامج الكويت للتنمية والحوكمة والعولمة في دول الخليج. لندن، تقرير كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
- بايندر، أ.، ماير، ك.، ستيتس، ج. (2010). المساعدة الإنسانية: هل تتوفَّر حقًا للجميع؟ دراسة استقصائية حول المانحين من غير بلدان الغرب، سلسلة الأوراق البحثة التابعة للمعهد العالمي للسياسات العامة، 12: 1-41.
- ديفي، إ. (2012). عدسات قديمة تكشف عن لاعبين جُدد: السبب وراء أهمية التاريخ عند التعامل مع الأطراف الفاعلة من بلدان الجنوب، موجز سياسات فريق السياسات الإنسانية رقم 48.
- فيديان-قاسمية، إ. (قيد الإصدار – 2018)، استجابات بلدان الجنوب للنزوح”، في فيديان-قاسمية، إ. ودايلي، ب. (محرران). الدليل الدولي للعلاقات فيما بين بلدان الجنوب. لندن: روتليدج.
- فيديان-قاسمية، إ.، وديلي، ب. (قيد الإصدار – 2018). “التفاعلات فيما بين بلدان الجنوب”، في فيديان-قاسمية، إ ودالي، ب. (محرران). الدليل الدولي للعلاقات فيما بين بلدان الجنوب. لندن: روتليدج.
- فيديان-قاسمية، إ. ودالي، ب. (محرران). (قيد الإعداد – 2018) الدليل الدولي للعلاقات فيما بين بلدان الجنوب. لندن: روتليدج.
- فيديان-قاسمية، إ. (2015 و2017). الهجرة التعليمية والعمل الإنساني والتنمية فيما بين بلدان الجنوب: رؤى مناطق الكاريبي وشمال أفريقيا والشرق الأوسط. أوكسفورد. روتليدج. *نشر بغلاف ورقي في 2017*
- فيدان-قاسمية-إ. وباسيتو، ج. (2017). “الاستجابات الإنسانية لبلدان الجنوب للنزوح النابعة من القيم الدينية: رؤى ثاقبة لبلدان الشمال”، في شيويل، ب. وويلسون، إ. (محرران). الدين والمجتمع الأوروبي: دليل أولي. أوكسفورد. وايلي.
- فيديان-قاسمية، إ. ودالي، ب. (محرران). (قيد الإعداد – 2018). دليل روتليدج للعلاقات فيما بين بلدان الجنوب. لندن: روتليدج.
- هارمر، أ. وكوتيريل، ل. (2009). الجهات المانحة وتنوعها: الطبيعة المتغيرة للإغاثة الإنسانية الرسمية: تقرير بحوث فريق السياسات الإنسانية.
- مودسلي، إ. (2012)، من المستفيدين إلى المانحين: القوى الصاعدة ومشهد التنمية المتغير. لندن: دار زِد للنشر.
- ميتيلكا، ل. (محررة) (1994). التعاون فيما بين بلدان الجنوب من منظور عالمي. باريس: مُؤلَّف صادر عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
- بيترس، ج. (1998). “نموذجي أم نموذجك؟ التنمية البديلة، ما بعد التنمية، والتنمية الانعكاسية”، التنمية والتغيير، 29: 343-373.
- سيزجين، ز. وديكويل، د. (2016) (محرران). الطابع الجديد للأعمال الإنسانية في الممارسة الدولية: أطراف فاعلة جديدة ومبادئ محل نزاع. لندن: روتليدج.
- سيكس، ك. (2009) “ظهور دول ما بعد الاستعمار كمانحين: تحدٍ ماثل أمام نموذج التنمية؟”، المجلة الفصلية للعالم الثالث، 30 (6): 1103-1121.
- سفوبودا، إ. وبانتوليانو،
- سفوبودا، إ. وبانتوليانو، س. (2015) “الأطراف الفاعلة من المجتمع الدولي والمحلي/الجاليات في سياق الاستجابة السورية: مجموعة متباينة من الأنظمة؟”، لندن: ورقة عمل فريق السياسات الإنسانية، معهد التنمية الخارجية.
- وودز، ن. (2008) “مساعدة، ممن؟ تأثير، ممن؟ الصين والمانحون الناشئون والثورة الصامتة في وجه المساعدة الإنمائية”، شؤون دولية، 84 (6): 1205-1221.
صورة مميزة: تمثال يحتفل بالعلاقات العربية الكوبية في هافانا (كوبا). حقوق النشر محفوظة لإيلينا فيديان-قاسمية، 2015.


